رد القضاء ولكن :نسألك اللطف فيه

ما هو أبعد من 'مأساة' جورج بوش! بقلم : د. حسن محمد وجيه
hassan@hassan wageih.com
[b]منذ عدة سنوات وتحديدا في عام 2003 كتب الكاتب الامريكي المعروف بتحيزاته برنارد لويس كتابا مهما وانتشر انتشارا واسعا وكان عنوانه 'أين حدث الخطأ؟!' what Went Wrong?.
وتعود اهمية هذا الكتاب لكونه كتابا في سلسلة من الانشطة الاكاديمية والاعلامية التي تضع مشكلة الارهاب وما حدث في 11 سبتمبر من تدمير لبرجي التجارة العالمية علي عاتق العالم العربي الاسلامي فقط فالكتاب باختصار مثله ككثير مما قيل في آلة الاعلام الامريكي، يري ان المشكلة تاريخية في 'عداء العالم العربي الاسلامي' للغرب وفي تكون جذور العنف والتسلط والتطرف في هذا الجزء من العالم. وتفاصيل الكتاب كثيرة وكذلك تفاصيل المناقشات التي دارت حوله اكثر، ولكن الكتاب والبحث المتضمن به هو بحث يدخل في نوعية الأبحاث الاكاديمية المروجة لتوجه سياسي بعينه وليست الاكاديمية التي تسير وفق منهجية التقصي العلمي المحايد، وهذا ما اكتشفه علي الفور اصحاب المدرسة الاكاديمية المنصفة للحقائق وكان علي رأسهم المفكر الامريكي المعروف Juan Cole الذي كتب في فصليته 'الحوار العالمي Global Dialogue' في 27 يناير 2003 يفند فيها كتاب برنارد لويس الذي يعتبر المنظر الاول وقبل صموئيل هنتيجوتون لنظرية صراع الحضارات الخاطئة والمصنوعة في النهاية لترويج سياسات جائرة وعدوانية علي منطقتنا. وذكر كول ما لم يذكره لويس من تجاهله للحركة الاستعمارية الغربية وتأثيرها وتداعياتها علي العالم الاسلامي، ومعايير الازدواجية وخلط الاوراق والتعامل مع التاريخ والحاضر بأسلوب جائر وغير علمي ولكن من شأنه ان يدمر المستقبل للجميع. وفي سياقات اخري تعرض كول للفكر الصهيوني بالنقد ووصف سياسات اسرائيل بالفاشية. (راجع حوار معه في فصلية الشرق الاوسط (عدد 132006).. يبقي ان نذكر هنا ان برنارد لويس ومجموعة من الباحثين مثل دانيال بايببز وفوكوياما وغيرهم قد استخدموا عن قناعة أو عن رؤي ذاتية لترويج سياسات كالتي يقتنع بها جورج بوش الذي جسد في خطابيه الاخيرين في كل من شرم الشيخ وقبله في الكنيست نظرية صدام الحضارات وهو ما دعا وزير خارجيتنا ابوالغيط إلي وصف خطاب بوش 'بأنه لا يخرج عن نطاق نظرية صراع الحضارات الجائرة' وصفق له الحاضرون كموافقة وكتأكيد علي صحة ما ذهب إليه . ما حدث وهو مؤسف ومتجاوز للحق والعدل وابسط قواعد المنطق واللياقة الدبلوماسية فمجموع ما جاء في خطابي جورج بوش الاخيرين من تحيزات جائرة من اعلاء نبرة الخطاب التوراتي واسلوب لغة التدخل الفجة في الشأن الداخلي وخطاب التعبئة المنحازة.
فأعداء بوش هم ايران وسوريا وحزب الله وحماس، متناسيا في ذلك سطحية هذه الحجة وانه وسياسات امثاله هي وراء صناعة هؤلاء كل 'الاعداء'.. فإيران توغلت ونمت بهدم العراق الذي هدمه احتلال جائر ولوث يد المعتدين بمئات الآلاف من القتلي الابرياء، كما ان سعي ايران للطاقة النووية مشروع ولكن سعيها ان صرح ذلك لامتلاك السلاح النووي فهو أولا واخيرا بسبب المعايير المزدوجة التي انتهجتها ادارته ومن سار علي نهجها. لقد نسي جورج بوش ومن يري من منظاره المظلل ان مشكلة سوريا من وجهة النظر الامريكية ليست في سوريا اساسا انما في احتلال جائر وتعنت الولايات المتحدة ورفضها القيام بأي دور نزيه في عملية سلام عادلة. فالحل مع سوريا يساوي استردادها لاراضيها المحتلة وليس في اعتبارها 'دولة مارقة' من دول محور الشر اما الذاكرة الهزيلة فتتمثل ايضا في اعتبار 'حزب الله' وحماس من بؤر محور الشر لان النقطة المحورية هنا هي تاريخية بحتة.. لأن 'حزب الله' وحماس قد تكونا بعد احتلال اسرائيل الوحشي للاراضي العربية فقبل الاحتلال لم يكن هناك شيء اسمه 'حزب الله' أو 'حماس' وان لم تكن هذه الحركات كرد فعل للاحتلال والهيمنة لصدرت حركات اخري بأسماء اخري، المشكلة ان معالجة جذور الارهاب تكمن في معالجة جذور الاحتلال والهيمنة والعودة للحوار والتفاوض والحلول السلمية العادلة ولكن هذا ما عصف به خطابا جورج بوش الاخيران تماما وهو ما دفع الكثير من الدوائر في امريكا وفي العالم للاعتراف بهذه الاخطاء الاستراتيجية التي لايزال يصر علي ارتكابها بوش وهو ما نراه في كتاب مهم صدر للكاتب الامريكي Weisberg هذا العام 2008 بعنوان
The Bush Tragedy أو تراجيديا أو مأساة بوش. انها حقا مأساة تحتاج منا إلي تفاوض نضالي مع كل العقول المنصفة في الداخل الامريكي وعبر العالم من اجل وقف باقي فصول المأساة التي ستؤثر علي الجميع في هذا العالم.. والله المستعان.
[b][/b][/b]